آخر الأخبار

كلمة القس د. متري الراهب رئيس كلية دار الكلمة الجامعية للفنون والثقافة في حفل تخريج الفوج السادس

صاحب السيادة،
السيدات والسادة مع حفظ الالقاب،
أيها الخريجيون الأحباء، أيها الحفل الكريم،

أهلاً بكم في رحاب كلية دار الكلمة الجامعية للفنون والثقافة وهي الكلية الوحيدة في فلسطين والتي اختارت الفن مادة للتخصص والثقافة مساحة للتميز والإبداع.
لقد إجتمعنا اليوم لنحتفل بتخريج الفوج السادس من طلاب هذه الكلية الفتية، إجتمعنا وظلال العدوان السافر على قطاع غزة ما زالت تخيم على وطننا، وأخبار داعش والنصرة تطغى على أخبار منطقتنا، وحالة من ضياع البوصلة تسيطر على مصائر شعوبنا.
ويتساءل المرء أي نفع للعلم في زمن التخلف؟ وما للفن في زمن الحرب؟ وما قدرة اليراع والفرشاة والعدسة أمام زحف الدبابات والطائرات؟
وهل سيقدر هؤلاء الخريجون على مجابهة الواقع، هل سيجدون موطئ قدم في هذا العصر؟ هل سيتركون بصمات على هذه الارض؟
والجواب نعم...
فلقد سلحت هذه الكلية الجامعية خريجيها بأدوات ثلاث ان أحسنوا إستخدامها نجحوا في الحياة، وتقدموا في سلم الوظائف، فكانت لهم حياة وصارت أفضل.


السلاح الاول:
البناء في زمن الدمار...
لقد كان شعارنا دائماً: نحن نبني وطناً، نعلي دياراً، حجراً حجر، وبشراً بشر، وداراً تلو الدار... وفي العام المنصرم إستطعنا وبحمد الله أن ننتهي من أعمال البناء والتشطيب لمبنى الإرث الثقافي والتنمية المجتمعية من جهة، ومبنى الالعاب الرياضية من جهة أخرى...
أما شعارنا فكان أننا لا نستثمر بالحجر فحسب بل بالبشر أيضاً... هدفنا أن نبني الانسان ليكون انساناً أولاً وقبل كل شيء... وليكون فناناً مرهف الحس، يرى ما لا يراه الآخرون، ويعبر عما يعجز الكثيرون عن التعبير عنه.
ولكننا ندرس البناء ثقافة، فمن يتأمل فيما يحدث من حولنا سيجد أن الدمار أصبح الثقافة السائدة... شاشات التلفاز راحت تنقل لنا صور الدمار، والخراب، في غزة، وسوريا والعراق واليمن، تارة يدمر العدو بنيتنا التحتية، وتارة تدمر شعوبنا مدنهاً بايديها.
أيها الخريجيون الأحباء، رسالتكم أن تكونوا رسل ثقافة البناء رغم الدمار...
في رحاب هذه الدار كنا لكم مثالاً تحتذون به في البناء الذي لا يعرف الكلل والجهد الذي لا يعرف الملل.
السلاح الثاني:
الانتاج في زمن الاستهلاك... من يتأمل في مجتمعاتنا سيجد أننا أصبحنا أسواقاً للاستهلاك ليس الا... 85% مما يستهلكه الشعب الفلسطيني هو مستورد من الخارج والكم الأكبر من اسرائيل.
ولكننا لا نستهلك السلع الغذائية فحسب بل نستهلك المسلسلات الاجنبية والملابس التركية...
وقد قالوا في القديم: ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع...
لذلك ارتئينا هنا أن نسلحكم بأدوات للإنتاج.. انتاج الافلام الوثائقية التي تسلط الضوء على روايتنا، وانتاج الصياغة والفنون على اشكالها، واعداد الاطباق الصحية على انواعها،
أيها الخريجون الاحباء،
في عالم الاستهلاك أردنا لكم ان تكونوا رواداً لما "صنع في فلسطين". أملنا ان تغزو الافلام والكتب واللوحات والاطباق الفلسطينية العالم لتضع بصمتنا على خريطة هذا العالم.
السلاح الثالث:
التفكير في زمن التكفير...
من يتأمل في أحوال منطقتنا سيجد ان معظم مجتمعاتنا ما زالت تحكمها الغيبيات من جهة، وافكار التكفير والتحقير والقبلية من جهة أخرى... فصار السني عدو الشيعي، والعلوي ند الدرزي، والجار كافر ان لم يكن على ذات الدين...
وبالرغم من أعداد المتدينين المتكاثرة، الا أننا اصبحنا نفتقد الى الاخلاق، والانسانية والروح السمحاء وصيرنا الارض جحيماً وقاربت الارض التي انبتت الحضارات ان تقفر جراء زحف ثقافة الصحراء...
في زمن التكفير عليكم ايها الخريجون بالتفكير... هنا تعلمتم الفكر النقدي، والمنهج العلمي، والنظرة الانسانية، هنا عرفتم معنى التعددية الفكرية والدينية والفنية...
بهذه الادوات ستركبون موج الوطن، وستبحرون نحو المستقبل... حاملين معكم ذكريات عطرة لا تنسى، والله يوفقكم لتكونوا رسل بناء في زمن الدمار، وأصحاب انتاج في عصر الاستهلاك، ودعاة التفكير في زمن التكفير.
الشكر كل الشكر لأعضاء الهيئتين الاكاديمية والادارية، على عملهم الدؤوب في تجسيد رؤية هذه الكلية، والشكر لرئيس واعضاء مجلس الأمناء على دعمهم المستمر، وشكري للطلاب والاهل اللذين آمنوا بفلسفة هذه المؤسسة.
وأولاً وأخيراً الشكر لله الذي منه وبه وله كل الاشياء... له وحده المجد...
ولكم أيها الخريجون... لكم النجاح والتوفيق... مبروك ألف مبروك.

 

Share:
Top